إكوت عبدالهادي:[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وهج صوفي من فيض إزنزارن
عرفت الأغنية الأمازيغية منذ انطلاقتها ظهور العديد من المجموعات الفنية التي عبرت عن هموم الإنسان الأمازيغي خصوصا والمغربي عموما. غير أن اللافت هو أن وسط هذا الزخم الهائل من المجموعات، واحدة فقط تمكنت من تحقيق الذات وتحقيق التميز على طول تاريخ أغنية المجموعات الأمازيغية. إنها مجموعة إزنزارن التي كانت ولازالت الرائدة والتي احتفظت بمكانة خاصة في قلوب عشاق الإيقاعات الأمازيغية. وقد اقترن تاريخ مجموعة إزنزارن بأسماء كثيرة شكلت عصب المجموعة ومصدر تألقها. غير أن اسما واحدا ظل بارزا واستطاع أن يخلق الإجماع حوله، إنه عبدالهادي إكوت. عبدالهادي الذي أصبح آنذاك رمزا بالنسبة لجيل كامل من الشباب الأمازيغي خلال سبعينيات القرن الماضي، تمكن بفضل موهبته وصوته من اكتساح قلوب الجماهير والتربع عليها.
كما تمكن من تحقيق التوازن داخل المجموعة ليحظى بالإحترام ليس فقط من قبل الجمهور، الذي كان يعشقه حد الهوس والذي مازال العديد منهم يحن إلى زمنه الجميل، بل وحتى بالنسبة لباقي أعضاء المجموعة على الرغم من الخلاف الذي مازالت تفاصيله إلى اليوم طي الغموض بين عبدالعزيز الشامخ وعبدالهادي إكوت. أسس إكوت لنمط فني عصري جديد في مطلع السبعينات، ربما لم يكن إكوت والمجموعة مبدعيه فقط، بل أساسا كان بمثابة تلك الرافعة التي نقلت ظاهرة تزنزارت، التي ارتبطت في كل تجاربها بالالتزام الفني الراقي بعيدا عن الغثاثة والنزول بالابداعية الى أدنى المستويات الذي نشاهده الآن، إلى آفاق تجاوزت المحلية لتصل للعالمية. إكوت عبدالهادي، ذو البنية النحيفة، والذي يحمل في ثناياه عبقرية كبار رجالات الفن عموما والأغنية الأمازيغية خصوصا.. صوت دافئ ورخيم. ارتبطت صورته بالبانجو الذي لا زمه طوال مشواره بعد أن خبر أوتاره. آلة تلقى أولى دورسها على يد استاذه ومعلمه ساركو حتى صار واحدا من أمهر العازفين عليها وساحرها والذي لم يضاهه أحد من أبناء عصره في مغازلتها. عبدالهادي متعدد المواهب. فبين العزف على الكمان وعلى البانجو وبين كتابة كلمات الأغاني وتلحينها وأدائها، كان الرجل يجد كل طلاقات العالم في الإفصاح عن قريحته التي تمتد بلا انتهاء . كتوم ولايحب الظهور كثيرا، ويفضل الكلام على الركح وأمام جمهوره. يقول العديد ممن عاشر عبدالهادي إكوت عن قرب أنه إنسان مزاجي غريب الأطوار، لا يجد ملاذا إلا في الموسيقى و البحر. فعبدالهادي إكوت شخصية قوية، زاهدة، ترى أن جوهر الحياة مكمنه عالم الروح في نزوع صوفي عميق. متمرد، عصي التطويع، لكنه يبقى متواضعا محترما لجمهوره ولصيقا بهموم الإنسان الأمازيغي السوسي خاصة. سمته الصدق في التعبير أمام الجمهور الذي استطاع أن ينقل إليه الجرح والهم الأمازيغي في أبهى صوره الشعرية وفي أبدع النوتات والجمل اللحنية التي مازال العديد منها يردد عبر جسد الأغنية الأمازيغية المعاصرة، وبخاصة من قبل جيل اليوم الذي لم يعش العصر الذهبي للمجموعة وهي تبصم ذاتها في تاريخ الفن المغربي إلى جانب مجموعات عاشت نفس الاشتعال كناس الغيوان وجيل جيلالة والمشاهب وغيرها. كان المنطلق من مجموعة «لقدام» التي كانت أول تجربة خاضها شباب منطقة الدشيرة في صنف المجموعات، غير أنها لم تستمر طويلا ليعيد أ عضاء المجموعة بقيادة عبدالهادي وعزير الشامخ ترتيب بيتهم في إطار مجموعات أخرى بدأوها في الأول ب «جيل سيدي المكي» التي مالبثت هي الأخرى أن تتحول ل «ازنزارن» . غير أن خروج عبدالهادي من صفوف المجموعة رفقة بعض العناصر، دفعهم لتأسيس مجموعة جديدة حملت اسم «لمجاديل» وهو اسم ستتخلى عنه بصفة نهائية لتستعيد اسم «إزنزارن» خاصة بعد أن تدخلت مجموعة ناس الغيوان التي دعمت عبدالهادي و باقي الأعضاء لحسن فرتال ومولاي ابراهيم ، والشاطر.والذين كانت ترى فيهم أمل ومستقبل للأغنية الأمازيغية. استطاعت «إزنزارن» أن تحدث ثورة في الأغنية الأمازيغية والإنتقال بها إلى أوجه اشتغال وتحرك فني لم تعهده هذه الأغنية من قبل. فبالإضافة إلي الأشعار والكلمات الهادفة التي كانت تنطق بهموم الإنسان السوسي، نأت المجموعة عن نمط الروايس الذي كان سائدا واستطاعت أن تؤسس لشكل جديد من الإبداع لاقى صدى شعبيا كبيرا خاصة بين فئة الشباب الذي كان يطمح لمن يعبر عن همومه وأضاعه سواء السياسية أو الإجتماعية، فيما ظلت فئات من الكهول وفية لنمط ترايست لأنهم لم يكونوا يستوعبون آنذاك هذا الشكل الموسيقي الجديد الذي أدخله عبدالهادي ورفاقه في النسق الموسيقي الأمازيغي الشعبي. وفي كل هذا كان عبد الهادي “الرايس” العصري، ومهندس هذا الشكل الذي يتوجه لجمهور معين من الشباب المغربي الواعي للظروف التي كان تعتمل سواء في المغرب أو خارجه. وبذلك تحول عبد الهادي إلى رمز الشباب المتمرد على الوضع، الجامح والمتطلع لآفاق تتحدى كل الصعاب لتصرخ بأعلى صوتها منددة بالظلم والقهر وتقلص مساحات الحرية والأمل. صحيح ان “ ازنزارن” اكتسبت وعيها في مرحلة فرضت ذاتها على مجالات الابداع برمته، فالمحيط العام سياسيا لم يكن هينا، بحكم ما ميز أوائل السبعينيات من أوضاع سياسية مضطربة. كما أن المد الإبداعي كان مغلفا بالوعي القومي وروح السخط والتمرد، خاصة وأن المرحلة لم تكن فيها للنزعات «التجارية» اية فرصة في الظهور والانتشار، بنفس الدرجة التي كان فيها الجيل الذي تلقف تلك التجارب جيلا صعبا في اقناعه ان لم تجتهد المجموعة في الشكل والمضمون، الأمر الذي ادى الى تنميط لباس مميز لأعضاء المجموعة، يشترط فيه ان يكون معبرا عن الاصالة، وفي ذلك كان السعي لنيل الاعتراف بالمشروعية الفنية. والمتتبع لمسيرة عبدالهادي مع المجموعة يلاحظ أنها بدأت بالأغنية العاطفية المشهورة '' إمي حنا '' لتتدج بعد ذلك نحو الالتزام مبتدئا بأغنية « أوتيل» و« إكوت لبريح» و« كيخ» و« نتغي» ولترتمي في أحضان الأغنية الهادفة التي تتطرق إلى مواضيع اجتماعية كما في قصيدة ''إدبوتغراد'' و« كيخ» و« نتغي» و«توزالت»' وأغاني أخرى التصقت بالهم العربي وحاولت النضال من خلال الكلمة التي رفعتها المجموعة في وجه الهمجية الصهيونية. وقد توقفت مسيرة المجموعة سنة 1989 بعد إصدار شريطين دفعة واحدة، أحدهما بعنوان ''«أمتال » ـ والثاني '' أريالا إكيكيل''. توقف أحدث فراغا كبيرا على الساحة الأمازيغية، ورغم غيابها على صعيد جديدها الغنائي، لكن المثير للاهتمام هو التميز والرمزية التي مازال يحتفظ بها عبدالهادي إكوت، الوهج الصوفي الذي أشرق ذات فيض من مجموعة أنزارن
يعتبر ظهور مجموعة إزنزارن بداية لتأسيس اول مدرسة غنائية امازيغية ... وأطلق عليها اسم مدرسة تازنزارت نسبة إلى اسمها " إزنزارن ". وقد ظهرت هذه المجموعة في الاول بإسم "المجاديل"، يعني كل ما يعلق في الحزام و في الثياب وقد سجلت هذه المجموعة أغنية في إذاعة أكادير سنة 1975م، إلا أن أفرادها عدلوا عن هذا الاسم ليختاروا اسم " إزنزارن "، وهو واحد من بين الاسماء الثلاثة المقترحة و هي " المجاديل ، إمنارن ، إزنزارن".ا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وتأسست الفرقة بمبادرة من عبد الهادي إكوت وعزيز الشامخ و الحسن بوفرتل ومولاي إبراهيم والشاطر، وثلة من الشباب صهرهم مناخ الستينات المتأجج بالتوتر الاجتماعي، وأرق السؤال وانسداد الأفق، لذلك كانت «إزنزارن» في حقيقتها الجوهرية استمرارا لمسار كبار شعراء الأمازيغية أمثال حمو والطالب والحاج بلعيد والدمسيري وجانطي وغيرهم.
واستمدت تجربة ازنزارن وجودها من التراث الأمازيغي، واختارت أن تكون صوتا للمجتمع تتفاعل معه في تلقائية تامة، لذلك تفوقت وعاشت في وجدان الناس. وكانت أول أغنية اشتهرت بها «إزنزارن» هي مقطوعة «إمي حنا» ، التي تعتبر من روائع الشعر الغنائي الأمازيغي، جمعت بين المضمون الإنساني والبعد الوجداني، في صياغة شعرية سهلة، وهي ترجمة لانشداد الإنسان الأمازيغي إلى الأم أي الأصل، إضافة لكونها رمزا لحقبة من التاريخ الأمازيغي المغربي، بداية عاطفية، وانطلاقة من الأصل.
لاختيار اسم إزنزارن ما يبرره لدى المجموعة فهذا الاسم يعني الأشعة (جمع شعاع) و التي ستكون بمثابة اضواء كاشفة على التراث الفني .
لقد كان انفصال المجموعة عن " الشامخ " سنة 1975 نقطة تحول في نهجها الفني كمتنفس رحب للطاقات الابداعية الملتزمة و الموهوبة . فالسبب في هذا الانفصال هو انقسام المجموعة إلى قسمين : قسم يرى أن ظهورها يجب أن يشكل تغييرا حقيقيا ليس على مستوى الشكل فقط بل على مستوى المضمون ، و ذلك بعدم تكرار المواضيع العاطفية و أغاني الحب، بل استغلال الفرصة المتاحة لخدمة أهداف معينة مرتبطة بالواقع المعيش. بينما يرى الاتجاه الاخر أن الهدف من الغناء هو الترفيه و التنشيط، و لا يمكن فصله عن العواطف و الحب و هذا هو اتجاه " الشامخ " الذي انفصل عن " عبد الهادي " و كون مجموعة تحمل نفس الاسم، مما جعلنا امام مجموعتين من " ازنزارن "، إحداهما لا تخرج عن المواضيع المتداولة والرائجة بكثرة في الساحة الفنية، وهي مجموعة الشامخ، و الأخرى التي انفصل عنها هذا الاخير، و التي كانت تتكون من " مولاي ابراهيم " " عبد الهادي " " عبد الله أو بلعيد" و " بوفرتل " و هي التي تعارض اتجاه الشامخ و ترى أن خلق واقع فني جديد لا يجب أن يقتصر على الشكل فقط بل يجب أن يتعداه ليشمل المضمون ايضا، ومنذ الثمانينات نجد فكرة لدى " ازنزارن "، و مشروعا وضعوه نصب أعينهم، وهدفا يسعون إلى تحقيقه، ألا و هو الأغنية الملتزمة
فإيمانا منها بالرسالة التي أبت على نفسها إلا أن توصلها، لتتشبث المجموعة بأفكارها الثورية، و هي بمثابة مبادئ تعتبر سرا في استمرارها و من أهمها :
*ليست العبرة بالانتاج الغزير بل العبرة في ما هية وجودة هذا الانتاج .
*لا تعتقد المجموعة أن مكان عملها هو الحفلات والأعراس فذلك يتناقض و مبادئها بل يكتفي بالقيام كل سنة بجولة في المدن المغربية الكبرى .
*تؤكد المجموعة أن التعامل مع التراث لا يمكن أن يتم عبر إعادة إنتاج ما سبق لقدماء الروايس أن انتجوه ، فهي تعارض بشدة المجموعات التي تعيد ما سبق أن تغنى به اللحاج بلعيد.
وقد لا يختلف اثنان أن هذه المجموعة، وما قامت به من تطوير و تجديد للأغنية الأمازيغية، تعتبر عن جدارة و استحقاق رائدة للاغنية و الشعر المعاصر. فقد آمنت منذ الوهلة الأولى بأن مهمة الشعر لا تكمن في الترفيه و التسلية بقدر ما يفرض كيانه كرسالة و خطاب بلاغي ومسؤولية وأمانة في عنق الفنان، عليه تحملها و تأديتها على أحسن وجه.
و الواقع أن المجموعة لم تتراجع قط عن قناعتها و مبادئها بل زادها مرور الايام صلابة و حنكة و تجربة، فتعالت بذلك عن قيم الوضاعة و الانحطاط من خلال التحامها بالقضايا الجوهرية للانسان و تجسيدها لمعاناته، فمجرد استقرائنا لبعض أشعار المجموعة يتضح لنا مدى التزامها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالربرتوار الغنائي الذي خلفته هذه المجموعة الحية/الميتة (ميتة من ناحية المواكبة الإعلامية لها، وحية من ناحية أدائها وجمهورها ومحبيها)، دفع ثلة من الباحثين إلى البحث والنبش في تاريخ هذه المجموعة ومسارها وتطوراتها.... غير أن الأهم من هذا وذاك هو ماذا قدمنا كدولة وكجمعيات مجتمع مدني وكفعاليات غيورة على الفن وعلى الفنانين لهذه المجموعة ولأفرادها، هذه الأخيرة التي غنت للأمازيغي والمغربي بل للإنسان عامة حاملة همومه متحدثة باسمه في روائع (إمي حنا، تخيرا، طبلا، تيدوكلا، تكنداوت، ...) يستحيل أن تنسى، قائلة كلاما أكبر من سنها في عصر فضل فيه الجميع إلتزام الصمت.
مجموعة تضم الأسطورة محمد الحنفي، وعمالقة في الإيقاع بدءا بإيكوت عبد الهادي في البانجو، مرورا بالأخوين محمد وعبد العزيز الشامخ، وصولا إلى لحسن بوفرتل، دون أن ننسى مصطفى الشاطر ومولاي إبراهيم... واكتسبت هذه الفرقة شهرة كبيرة، وقد وجد المجتمع الأمازيغي في مضامين وطرق أداء الفرقة الشعرية انعكاساً صادقاً لما يعانيه ويكابده من آلام وهموم.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]حقيقة الأمر أن أصحاب الضمائر الحية والمهتمين، يجب عليهم أن يلتفتوا التفاتة بسيطة إلى أفراد هذه المجموعة لرد القليل من الاعتبار لمن جعلوا شعارهم